نوفمبر 18، 2010

المستخدم العربي، الأنترنت و جنو+لينكس

سأتحدث اليوم عن جوانب مختلفة لاستخدام لينوكس و البرمجيات الحرة و المفتوحة المصدر من المنظور العام. و قبل أن أتفرع في الحديث عن تلك الجوانب سأترككم مع هذا السؤال دون أن أجيب عليه:

لماذا يوجد زر يحمل شعار نظام ويندوز على لوحة مفاتيح حاسوبك؟

حسنا، سأبدأ بالمستخدم العربي على شبكة الأنترنت. حسب هذه الإحصائيات فإن المستخدمين العرب على الشبكة يزيدون عن 64 مليون مستعمل من أصل 422 مليون - كأعلى تقدير - في الوطن العربي. أي شخص من كل 6 يستخدمون الشبكة. شيء مفرح أليس كذلك؟

ثم نأتي لنلقي نظرة على بعض الإحصائيات التي صادفتها مؤخرا فنجد:
* أن كتاب رؤف شبايك - مع احترامي و تقديري البالغ لأعماله و لما يقدمه - "التسويق للجميع" و هو متوفر للتحميل بالمجان، زاد عن 25.000 نسخة محملة. ذلك العدد مهما زاد يبقى أقل من 100ألف بالتأكيد.

* منتدى مجتمع لينوكس العربي و هو أكبر منتدي عربي متخصص في المصادر المفتوحة، عدد مشتركيه أقل من 24.000 مشتركا، أقل من 1.400 عضو نشيط، و بأعلى تواجد لأكبر عدد من المشتركين في وقت واحد  يقل عن 800 مشترك. (الإحصائيات متوفرة في الأسفل على صفحة المنتدى)

* صديقي محمد أعمروشا قدم عرضا حول التدوين الشخصي، و قد ذكر أن لا أحد من الحاضرين يعرف شيئا عن معنى التدوين. حسنا، عدد الحاضرين قليل، لكن 14 شخصا ظاهر في الصور و هم طلاب جامعة بمعنى في مرحلة - على الأقل - لا بأس بها من التحصيل الدراسي و العلمي. مثلما سمعت من أحد أعضاء مجتمع لينوكس (سوري أو أردني على ما أتذكر) أن أغلب زملائه في تخصص هندسة الحاسب لا يعرفون بشكل واضح طريقة عمل الجدار الناري. حسنا، أنا أعمل كمدرس في التقنية الحواسب و ألمس المستوى المعرفي للطلاب هنا في المغرب بشكل دوري؛ لا اختلاف بيننا. لكن أين دهبت الرغبة في التعلم و المعرفة!!؟

* عدد متابعي موقع عالم التقنية، و هو على ما أعتقد أكبر موقع تقني عربي، عدد متابعيه على التويتر أقل من 6.000 متابع، عبر خدمة الخلاصات أقل من 9.000 و غالبا عدد متابعي الموقع سيقل عن 40.000.

* نأتي إلى إحصائيات هذه المدونة. عدد زياراتها، منذ أن أنشئت منتصف 2008 إلى اليوم، وصل إلى أقل من 29.000 زائر و أقل من 50.000 مشاهدة.


هذا يكفي، لن أقدم أمثلة إضافية!


السؤال الآن هو: أين هو المستخدم العربي!؟


و قت استخلاص الاستنتاجات (و أتمنى أن أكون مخطئا)
* بغض النظر عمّا يقدمه البعض من مساهمات، معرفة و أشياء قيمة على اختلاف أنواعها و حتى لو كانت بلغة عربية و بالمجان، فلا تنتظر الكثير.


لا، لا، دعوني أعبر بطريقة أخرى، عندما يصبح شيء متاح و متوفر بالمجان، و يمكن الحصول عليه و الاستفادة منه بنقرة زر، و لا يلقى أبسط أنواع التجاوب ناهيك عما قد يرسله البعض من رسائل إساءة إلى هؤلاء العرب الذين يضحون - على أقل تقدير - بساعات طويلة و ثمينة لدفع العجلة إلى الأمام، فاعلم أيها المستخدم العربي أن مشكلتك خطيرة للغاية. و أشك فعلا أنه حتى لو أتيحت لك الفرصة فستفوتها، كما لن يلام أحد إن توقف عن العطاء. هناك مثل إنجليزي يقول بما معناه "توقف عن ضرب حصان ميت" "Stop beating a dead horse" لأنه لن يوصلك إلى أي مكان.

و يرجى ممن سيعلق على هذا الموضوع ألا يربطه باستيائي من قلة متابعي المدونة لأني لست كذلك.


و أود فعلا أن أشكر على سبيل المثال لا الحصر (و أعتذر لكل من نسيته لأن أغلب كتابتي بدون إعداد مسبق) كل من:
عبد المهيمن الأغا و فريق عمل iSecur1ty (رغم أنهم يتسببون لي في الأرق أحيانا لما ينشرونه خوفا من وقوعه في أيدي المستهترين)
محمد أعمروشا (لا تسألني يا محمد أنت أدرى)
و لكل من عمل على تأسيس مشروع عربي (SetCode.net, TwitDesktop.com, Ojuba Linux, Sabily Linux ...) و العديد، العديد من الأصدقاء.




الآن، سأنتقل إلى موضوع الحرية و لينوكس و المستخدم العربي.

البرمجيات الحرة يمكن تلخيصها في فكرة بسيطة واحدة و هي أن لك الحق في المعرفة، و تحاول أن تضمن لك هذا الحق من خلال رخصة غنو العمومية. هذا الحق يشمل حق معرفة، تعديل، استخدام و تداول برامج الحاسوب بكل حرية. و لكي تتمكن من معرفة و تعديل تلك البرامج يجب أن تتوصل بالبرنامج بصيغته المصدرية، أي الكود البرمجي.

إذا توصلت بالكود المصدري مع بعض القيود على الاستخدام أو التداول فإن البرنامج لا يمكن اعتباره مفتوح المصدر و قطعا ليس حرا لأنه لم يوفر لك كل الحقوق و لا يضمن بقاءها أو حمايتها من أطماع الأفراد و الشركات الاحتكارية.

لكن الحياة ليست أبيض و أسود، هناك برامج حرة بأجزاء غير حرة مثل نواة لينوكس. كيف؟

هناك تعريفات (برمجيات صغيرة دورها هو التعامل مع عتاد ما) أغلبها موجود على مجلد firmware للكود المصدري لنواة لينوكس و بعضها منتشر في أجزاء أخرى من النواة إما يوجد بصيغته الثنائية (binary) أو مدمج كمصفوفات (arrays) برمجية تحمل أكواد على شكل بيانات بترميز عددي ستة عشري (Hexadecimal). المهم أنه لا يعرف بالضبط ماذا تفعل غير أنها ضرورية لعمل العتاد التي تتعامل معه.


كيف وصلت إلى النواة؟

هناك شركات قبلت بفتح الكود المصدري لتعريفاتها و أخرى أعطت مواصفات عمل عتاد و قام مبرمجو النواة بكتابة الكود المصدري بأنفسهم، لكن في كلتا الحالتين نصل إلى جزء صغير: ملف أو مصفوفة ثنائية (binary blob) لا يتوصل المبرمجون بكودها المصدري لكن برخصة استعمالها و تداولها مع النواة. كلتا الصيغتين لذلك الجزء المغلق إما يتم تشغيلها من طرف المعالج أو يتم رفعها على ذاكرة عتاد المعني ليبدأ العمل بها قبل أن يستطيع التعريف (غالبية الأجزاء الحرة) التعامل و تسخير ذلك العتاد.

لكن لماذا هي موجودة في الأصل:

غالبا لسببين:
1. السبب الأساسي هو كنوع من المرونة بمعنى حتى إن ظهر عيب في عمل العتاد يتم تصحيحها برمجيا دون الحاجة إلى استرداد للمنتج من السوق (product recall) و تعويضه بآخر.
2. الخوف من ملاحقات بخصوص انتهاك الملكية الفكرية لشركة أخرى، أو مانع قانوني كأن تكون التقنية المستعملة مرخصة من طرف شركة أخرى، أو لحماية تفوقها على منافسيها في السوق أو لأي سبب آخر.

المهم أن هذا الموضوع شائك و يلمس جوانب متعددة و الأهم - في رأيي - أن المدافعين عن الحرية - و أعتبر نفسي واحدا منهم - في البرمجيات الحرة أحيانا قد يكيلون بمكيالين كما وضح Patrick Van Oosterwijck ذلك جيدا (و أتفق معه في ذلك). لماذا؟
  • لا أحد يتكلم عن الجزء المتعلق بالمعالج (CPU Microcode).
  • لا أحد يتكلم عن برنامج المصنع (Firmware) الخاص بالأقراص الصلبة أو سواق الأقراص المدمجة (CD/DVD ROM).
  • هناك من يتكلم عن تعويض بيوس (BIOS) بـ CoreBoot، لكن كمستخدم كيف ستفعل ذلك.
ثم لا يمانعون من استخدام الأجهزة التي تستخدم برنامج مصنع مدمج مع العتاد و غير قابل للتعديل، لكن يعارضون من وفر ملف لبرنامج المصنع قابل للتداول و الاستخدام.

شخصيا أنا أدعوا إلى الحرية و غالبا ما أضحي بالاستفادة من أقصى قدرات العتاد على أجهزتي في سبيل التخلص من كل ما هو ليس حر كنوع من التضامن و دفاعا عن قضية الحرية التقنية. لكن لست متعصبا و في نظري، أفضل أن يستخدم أي شخص برنامجا حرا واحدا فقط سواءا اقتنع بمبدأ الحرية أو لا كنوع من الاستغلال لبديل مجاني، على أن لا يستعمل إلا كل ما هو مقرصن و مملوك و احتكاري.

أن يشتغل مستخدم على نظام لينوكس بـ 99% حر و مفتوح المصدر و يستفيد من كل طاقة جهازه بفضل بعض التعريفات المغلقة، أفضل أن يترك النظام كليا، على الأقل بالنسبة للمستخدمين الجدد لهذا النظام لأن من تعامل مع جنو+لينوكس و الفلسفة التي أخرجته إلى الوجود قد يلام إن اشترى عتاد غير مدعوم على هذه المنصة أو يحتاج إلى تعريف مغلق المصدر، رغم أن له في الأول و الآخر حرية  فعل ما يريد.

هذا لا يعني أني أوجد لنفسي أو لغيري منفذ بل بالعكس استشعرت المشكلة و خصصت لنفسي بعض الوقت و قمت بواجباتي المدرسية قبل أن تبدأ مؤسسة البرمجيات الحرة مؤخرا بتوعية المستخدمين بمشكلة و مخاطر أجزاء التعريفات و ملفات المصنع المغلقة، و أريد تحسيس غيري بهذا أيضا من خلال هذا الموضوع.


 فيما سبق ذكره، قد نجد من قرأ الموضوع فقط للتصيد و الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج: "أنظر كيف أن مجتمع جنو+لينوكس متفرق و أعضاءه ينتقدون بعضهم البعض و لا يتفقون على شيء".

نعم، صحيح و هذا هو ما يميز مجتمع البرمجيات الحرة و المفتوحة المصدر، الأفكار تناقش، و الكود يراجع، و حرية التفرع مضمونة، و القرارات تمر في جو تغلب عليه الشفافية، على عكس الشركات الاحتكارية التي يدور فيها كل شيء خلف الأبواب المغلقة و الهدف في الأول و الآخر هو الربح، السيطرة و الاحتكار.


و بهذا سأنتقل إلى الحديث عن شق آخر و هو:

لماذا كل هذه التوزيعات و كل هذه الجهود المشتت؟

أولا، لأن حرية التفرع مضمونة و من حق كل فرد أو جماعة أن يسعوا وراء تحقيق هدفهم و يستعملوا و يخصصوا و يطوروا برامجهم و برامج غيرهم بالطريقة التي يريدونها ما دام أنهم يحترمون بنود الرخصة و يوفرون تعديلاتهم و إضافاتهم للعموم.

ثانيا، رغم أنه في الظاهر هناك تشتيت للجهود إلا أن أغلب التوزيعات تستفيد من مساهمات الأخرى عند تصحيحها لعلل البرمجية المكتشفة - طبعا هناك من يستفيد أكثر من الآخر. كما أن أهم التوزيعات المصدرية (دبيان و ريد هات و تلك التي تتفرع منها) تعمل على أن تصبح متوافقة مع معيار Linux Standard Base لتحقيق و توفير نفس الأدوات الأساسية لتضمن للمطورين فرصة التعامل مع مختلف التوزيعات كأنها منصة نظام واحد. و فعلا تم تحقيق تقدم مهم و ملموس. فعلا، توزيعات جنو+لينوكس ليست مختلفة عن بعضا إلى تلك الدرجة.

السؤال الآن هو: هل تنوع تلك التوزيعات يعتبر فعلا مشكلة؟
ربما، رغم أن توزيعات مثل أبونتو و منت لينوكس و التوزيعتين العربيتين أعجوبة و سبيلي (أم لكونها عربية لا نكترث لها) كلها تقدم نظام لينوكس موجه للمستخدم العادي دوا الاحتياجات البسيطة : تصفح الشبكة، التواصل الآني، مشاهدة الفيديو، الاستماع إلى الموسيقى، تعديل الصور و مشاركتها، كتابة النصوص، إعداد العروض و الجداول الحسابية بطريقة مقاربة لما تعود عليه في ويندوز دون أن يستعمل برامج احتكارية و التي أغالبها مقرصن. و هنا أتذكر جملة قالها لي أحد الأصدقاء "أنا أعتبر كل ما هو على الأنترنت مجاني و وجد لنستفيد منه، لو لم يكن كذلك لما كان متوفرا على الشبكة!"

في رأيي، مهما كثرت عيوب و مشاكل استخدام  البرامج الحرة و المفتوحة المصدر، يبقى لأي مستخدم - عربي أو لا - أن يحسن من وضعها و لو بقليل. تكلفة الحصول عليها تقارب الصفر، تكلفة تعلمها تقل مع الوقت، و الاستفادة منها في كل الجوانب التقنية (مشاريع و أبحاث، خوادم، حواسب) تزداد مع الوقت. على الأقل إن استصعب تبديل النظام لأي سبب أو ظرف أن تستخدم البدائل الحرة و المفتوحة المصدر على ويندوز كـالحزمة المكتبية ليبر أوفيس (LibreOffice)، المتصفح فايرفوكس (Firefox)، مشغل الوسائط المتعددة في.إل.سي (VLC) و غيرها الكثير.

مع العلم أنه لا يخلوا أي نظام من المشاكل رغم تصور البعض للعكس.


الآن هل ما زلت تتذكر السؤال: لماذا يوجد زر ويندوز على كل لوحة مفاتيح؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق